المراحل الانتقالية- السلطة، الخيارات، ومستقبل سوريا السياسي.
المؤلف: صدقة يحيى فاضل09.14.2025

عندما يطيح برأس النظام المستبد، الرئيس الديكتاتور، في أي دولة من دول العالم، فإن هذه الدولة تنزلق إلى ما يُعرف بـ "المرحلة الانتقالية". وتتميز هذه الحقبة بوجود سلطة انتقالية "مؤقتة"، غالباً ما تكون في صورة مجلس حاكم، مهمتها إدارة شؤون البلاد لفترة زمنية محددة، قد تطول لعام أو أكثر، وذلك ريثما يتم تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة، وتشكيل حكومة منتخبة. هذه السلطة المؤقتة، المتجسدة في مجلس سيادي أعلى، تكتسب أهمية فائقة خلال هذه المرحلة الحرجة، إذ إن مستقبل البلاد برمته يعتمد بشكل كبير على القرارات والإجراءات التي تتخذها خلال فترة ولايتها. لذلك، غالبًا ما تصر قيادات الحركات الشعبية والثورات على أن يضم المجلس الانتقالي الأعلى في عضويته نخبة من قادة تلك الحراكات، مع عدد محدود من القيادات العسكرية، خاصة في حالات الانقلابات العسكرية، وذلك للحيلولة دون هيمنة المؤسسة العسكرية على السياسات والقرارات المصيرية. أما فيما يتعلق بسوريا، فإن الوضع يختلف، إذ لم يكن للعسكر دور بارز في الأحداث التي جرت. فالجيش النظامي تشتت وتمزق شمله بعد صعود التيار الديني وتسلمه مقاليد السلطة، وبعد الخسائر الفادحة التي ألحقتها إسرائيل به، والتي قُدرت بنحو 80% من قوته.
وعلى النقيض من الانقلابات العسكرية، التي تشهدها الدول النامية بين الحين والآخر، فإن ما حدث في سوريا لا يمكن اعتباره انقلابًا عسكريًا بالمعنى التقليدي. ففي الانقلابات العسكرية، يسعى العسكر في الغالب إلى السيطرة الكاملة على تشكيل المجلس الانتقالي، أو السماح بمشاركة محدودة لبعض المدنيين، كقادة الأحزاب والمجموعات السياسية، في عضويته. هذا المجلس يتولى مهمة الإشراف على وضع دستور جديد للبلاد، وتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي ستفرز نظامًا سياسيًا جديدًا، قد يحدد مسار ومصير البلاد لسنوات أو عقود قادمة.
في الحالة السورية، تولت مجموعة الشرع مقاليد السلطة، وبدأت في التصرف كسلطة انتقالية. هذا النهج يُعتبر مشروعًا ومقبولًا في عالم السياسة، ويمكن اعتباره بمثابة انقلاب عسكري أو انقلاب سياسي. فمن المعلوم أن الانقلابات السياسية قد تتخذ أشكالًا مختلفة، منها الانقلابات العسكرية، ومنها صعود مجموعة مقاومة معينة واستيلائها على السلطة، كما حدث في سوريا.
السلطة الانتقالية المؤقتة، المتمثلة في المجلس السيادي الأعلى، سواء في الانقلابات العسكرية أو غيرها، أمامها خياران رئيسيان في هذه المرحلة المفصلية:
- إما إعادة إنتاج النظام السابق بصورة أو بأخرى، مع إجراء تعديلات طفيفة أو تجميلية.
- أو العمل بجد وإخلاص على تأسيس نظام سياسي جديد، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة وشفافة، تفضي إلى تشكيل حكومة تمثل تطلعات الشعب وتعبر عن رغبات الأغلبية.
ويبدو أن حكومة الشرع قد اختارت المسار الثاني، وهو بناء نظام جديد يلبي طموحات الشعب.
في الانقلابات العسكرية، غالبًا ما يميل العسكر إلى الخيار الأول، حيث يقوم بعض قادة الجيش، وخاصة رموز النظام السابق، بترشيح أنفسهم للرئاسة، ويتولى أحدهم هذا المنصب بعد تخليه عن بزته العسكرية. ويتم "ترتيب" الانتخابات بطريقة تضمن فوزه وحلفائه. في هذه الحالة، تكون البلاد قد استبدلت ديكتاتورًا بآخر. وسيسعى الرئيس الجديد إلى تشكيل برلمان موالٍ له، وتتلاشى مطالب الحراك الشعبي، وينسى الجميع أمر الانقلاب. ونظرًا لرفض دول العالم الديمقراطي للحكومات العسكرية الصريحة، فإن الحكومة الجديدة تبذل قصارى جهدها للظهور بمظهر مدني، وتمثيل الشعب، لا الأقلية العسكرية فقط.
أما إذا حرص الجيش على تسليم السلطة للمدنيين، كما ينبغي وكما تطالب به غالبية الشعوب المنتفضة، وعمل على ضمان إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة وشفافة، ثم عاد إلى ثكناته، موقعه ومكانه الطبيعي، فإنه بذلك يكون قد أظهر نزاهة ووطنية ومهنية عالية، ونقل بلاده إلى نظام يحظى بقبول غالبية الشعب، ويضمن للبلاد الأمن والاستقرار الحقيقي على المدى الطويل، ويحول دون تكرار الحراكات الشعبية المكلفة من حيث التضحيات، حتى لو كانت سلمية. وقليلون هم القادة الذين يفضلون مصلحة شعبهم على مطامع السلطة.
ثمة ما يُعرف بـ "الطب السياسي"، أو الإجراءات الإصلاحية السياسية الحكيمة، التي يتم من خلالها علاج الدول المضطربة سياسيًا، أو "المريضة سياسيًا"، إذا أمكن إخضاعها للعلاج. وتستخدم هذه الإجراءات لمعالجة الدول المهددة بانهيار وشيك، أو اضطراب سياسي حاد، أو "حرب أهلية" تلوح في الأفق، أو ما شابه ذلك. وهذا ما يفترض أن يهدف إليه موضوع التنمية السياسية. ومن صور "الطب السياسي" المشار إليه: قيام منظمات أو دول أخرى، أو شخصيات ذات خبرة وتأثير، من داخل وخارج تلك البلاد، ببذل كل ما في وسعها من جهود واتصالات، لوقف المعاناة وإعادة الحياة الطبيعية إلى البلاد المعنية، إلى ما كانت عليه أو أفضل، من خلال الوساطة النزيهة بين الأطراف المعنية. وإذا كان "علم السياسة" يقدم "تطبيبًا" للجراح والأمراض السياسية المختلفة، فإن من أبرز صور هذا التطبيب هو ذلك المسعى، أو ما يسمى بـ "التدخل السياسي الحميد"، إذا كانت النوايا حسنة بالفعل، والذي غالبًا ما يؤدي إلى شفاء أمراض سياسية مستعصية وإعادة الاستقرار إلى بلاد افتقدته.
والواقع أن التنمية السياسية الإيجابية تضمن الحفاظ على "صحة الدولة"، أي دولة، وضمان استقرارها السياسي ووحدتها. وفي الحالة السورية، لا يبدو أنهم بحاجة إلى وساطة، سواء عربية أو أجنبية، ولكنهم بحاجة إلى مزيد من التأييد الشعبي. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بتمثيل جميع فئات الشعب السوري، بمن فيهم الأكراد والدروز وغيرهم. ولهذا الحديث صلة.
وعلى النقيض من الانقلابات العسكرية، التي تشهدها الدول النامية بين الحين والآخر، فإن ما حدث في سوريا لا يمكن اعتباره انقلابًا عسكريًا بالمعنى التقليدي. ففي الانقلابات العسكرية، يسعى العسكر في الغالب إلى السيطرة الكاملة على تشكيل المجلس الانتقالي، أو السماح بمشاركة محدودة لبعض المدنيين، كقادة الأحزاب والمجموعات السياسية، في عضويته. هذا المجلس يتولى مهمة الإشراف على وضع دستور جديد للبلاد، وتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي ستفرز نظامًا سياسيًا جديدًا، قد يحدد مسار ومصير البلاد لسنوات أو عقود قادمة.
في الحالة السورية، تولت مجموعة الشرع مقاليد السلطة، وبدأت في التصرف كسلطة انتقالية. هذا النهج يُعتبر مشروعًا ومقبولًا في عالم السياسة، ويمكن اعتباره بمثابة انقلاب عسكري أو انقلاب سياسي. فمن المعلوم أن الانقلابات السياسية قد تتخذ أشكالًا مختلفة، منها الانقلابات العسكرية، ومنها صعود مجموعة مقاومة معينة واستيلائها على السلطة، كما حدث في سوريا.
السلطة الانتقالية المؤقتة، المتمثلة في المجلس السيادي الأعلى، سواء في الانقلابات العسكرية أو غيرها، أمامها خياران رئيسيان في هذه المرحلة المفصلية:
- إما إعادة إنتاج النظام السابق بصورة أو بأخرى، مع إجراء تعديلات طفيفة أو تجميلية.
- أو العمل بجد وإخلاص على تأسيس نظام سياسي جديد، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة وشفافة، تفضي إلى تشكيل حكومة تمثل تطلعات الشعب وتعبر عن رغبات الأغلبية.
ويبدو أن حكومة الشرع قد اختارت المسار الثاني، وهو بناء نظام جديد يلبي طموحات الشعب.
في الانقلابات العسكرية، غالبًا ما يميل العسكر إلى الخيار الأول، حيث يقوم بعض قادة الجيش، وخاصة رموز النظام السابق، بترشيح أنفسهم للرئاسة، ويتولى أحدهم هذا المنصب بعد تخليه عن بزته العسكرية. ويتم "ترتيب" الانتخابات بطريقة تضمن فوزه وحلفائه. في هذه الحالة، تكون البلاد قد استبدلت ديكتاتورًا بآخر. وسيسعى الرئيس الجديد إلى تشكيل برلمان موالٍ له، وتتلاشى مطالب الحراك الشعبي، وينسى الجميع أمر الانقلاب. ونظرًا لرفض دول العالم الديمقراطي للحكومات العسكرية الصريحة، فإن الحكومة الجديدة تبذل قصارى جهدها للظهور بمظهر مدني، وتمثيل الشعب، لا الأقلية العسكرية فقط.
أما إذا حرص الجيش على تسليم السلطة للمدنيين، كما ينبغي وكما تطالب به غالبية الشعوب المنتفضة، وعمل على ضمان إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة وشفافة، ثم عاد إلى ثكناته، موقعه ومكانه الطبيعي، فإنه بذلك يكون قد أظهر نزاهة ووطنية ومهنية عالية، ونقل بلاده إلى نظام يحظى بقبول غالبية الشعب، ويضمن للبلاد الأمن والاستقرار الحقيقي على المدى الطويل، ويحول دون تكرار الحراكات الشعبية المكلفة من حيث التضحيات، حتى لو كانت سلمية. وقليلون هم القادة الذين يفضلون مصلحة شعبهم على مطامع السلطة.
ثمة ما يُعرف بـ "الطب السياسي"، أو الإجراءات الإصلاحية السياسية الحكيمة، التي يتم من خلالها علاج الدول المضطربة سياسيًا، أو "المريضة سياسيًا"، إذا أمكن إخضاعها للعلاج. وتستخدم هذه الإجراءات لمعالجة الدول المهددة بانهيار وشيك، أو اضطراب سياسي حاد، أو "حرب أهلية" تلوح في الأفق، أو ما شابه ذلك. وهذا ما يفترض أن يهدف إليه موضوع التنمية السياسية. ومن صور "الطب السياسي" المشار إليه: قيام منظمات أو دول أخرى، أو شخصيات ذات خبرة وتأثير، من داخل وخارج تلك البلاد، ببذل كل ما في وسعها من جهود واتصالات، لوقف المعاناة وإعادة الحياة الطبيعية إلى البلاد المعنية، إلى ما كانت عليه أو أفضل، من خلال الوساطة النزيهة بين الأطراف المعنية. وإذا كان "علم السياسة" يقدم "تطبيبًا" للجراح والأمراض السياسية المختلفة، فإن من أبرز صور هذا التطبيب هو ذلك المسعى، أو ما يسمى بـ "التدخل السياسي الحميد"، إذا كانت النوايا حسنة بالفعل، والذي غالبًا ما يؤدي إلى شفاء أمراض سياسية مستعصية وإعادة الاستقرار إلى بلاد افتقدته.
والواقع أن التنمية السياسية الإيجابية تضمن الحفاظ على "صحة الدولة"، أي دولة، وضمان استقرارها السياسي ووحدتها. وفي الحالة السورية، لا يبدو أنهم بحاجة إلى وساطة، سواء عربية أو أجنبية، ولكنهم بحاجة إلى مزيد من التأييد الشعبي. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بتمثيل جميع فئات الشعب السوري، بمن فيهم الأكراد والدروز وغيرهم. ولهذا الحديث صلة.